فصل: المقصد الأول في ذكر نبذة تاريخية لا يسع الكاتب جهلها مما يحتج به الكاتب تارة ويذاكر به ملكه أو رئيسه أخرى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.النوع السادس عشر في معرفة عادات العرب:

وهي صنفان:
الصنف الأول: نيران العرب:
قد ذكر أبو هلال العسكري في كتابه الأوائل للعرب ثلاثة عشرة ناراً: الأولى نار المزدلفة: وهي نار توقد بالمزدلفة من مشاعر الحج ليراها من دفع من عرفة. وأول من أوقدها قصي بن كلاب، فهي توقد إلى الآن.
الثانية نار الاستمطار: كانوا في الجاهلية الأولى إذا احتبس المطر جمعوا البقر وعقدوا في أذنابها وعراقيبها السلع والعشر ويصعدون بها في الجبل الوعر، ويشعلون فيها النار، ويزعمون أن ذلك من أسباب المطر، قال الشاعر:
أداعل أنت بيقوراً مسلعة ** وسيلة منك بين الله والمطر

الثالثة نار الحلف: كانوا إذا أرادوا عقد حلف أو قدوا النار وعقدوا الحلف عندها، ويذكرون خيرها، ويدعون بالحرمان من خيرها على من نقض العهد، وحل العقد. قال العسكري: وإنما كانوا يخصون النار بذلك لأن منفعتها تختص بالإنسان، لا يشاركه فيها شيء من الحيوان غيره.
الرابعة نار الطرد: وهي نار كانوا يوقدونها خلف من يمضي ولا يحبون رجوعه.
الخامسة نار الحرب: كانوا إذا أرادوا حرباً أو توقعوا جيشاً؛ أوقدوا ناراً على جبلهم ليبلغ الخبر أصحابهم.
السادسة نار الحرتين: كانت في بلاد عبس فإذا كان الليل تضيء نار تسطع وفي النهار دخان مرتفع، وربما بدر منها عنق فأحرق من مر بها، فحفر خالد بن سنان النبي، فدفنها، فكانت معجزة له.
السابعة نار السعالي: ترفع للمتقفر فيتبعها فتهوي به الغول على زعمهم كما تقدم في الكلام على أوابد العرب.
الثامنة نار الصيد: وهي نار توقد للظباء تغشاها إذا نظرت إليها.
التاسعة نار الأسد: وهي نار توقد إذا خافوا الأسد لينفر عنهم، فإن من شأنه النفار عن النار، يقال إنه إذا رأى النار حدث له فكر يصده عن قصده.
العاشرة نار القرى: وهي نار توقد ليلاً ليراها الأضياف فيهتدوا إليها.
الحادية عشرة نار السليم وهو الملسوع: كانوا يوقدون النار للملسوع إذا لدغ. ويساهرونه بها، وكذلك المجروح إذا نزف دمه، والمضروب بالسياط ومن عضه الكلب كي لا يناموا فيشتد الأمر بهم فيؤديهم إلى التهلكة.
الثانية عشرة نار الفداء: كان الملوك منهم إذا أسروا نساء قبيلة خرجت إليهم السادة منهم للفداء أو الاستيهاب فيكرهون أن يعرضوا النساء نهاراً فيفتضحن أو في الظلمة فيخفى قدر ما يحبسونه لأنفسهم من الصفي، فيوقدون النار لعرضهن.
الثالثة عشرة نار الوسم: وهي النار يسم بها الرجل منهم إبله فيقال له ما سمة إبلك؟ فيقول كذا.
الصنف الثاني: أسواق العرب المعروفة فيما قبل الإسلام:
قد كان للعرب أسواق يقيمونها في شهور السنة، وينتقلون من بعضها إلى بعض ويحضرها سائر قبائل العرب: ممن قرب منهم وبعد. فكانوا ينزلون دومة الجندل أول يوم من ربيع الأول، فيقيمون أسواقها بالبيع والشراء، والأخذ والعطاء؛ وكان يعشوهم فيها أكيدردومة، وهو ملكها، وربما غلب على السوق كل، فيعشوهم بعض رؤساء كلب فيقوم سوقهم هناك إلى آخر الشهر. ثم ينتقلون إلى سوق هجر من البحرين في شهر ربيع الآخر، فتكون أسواقهم بها، وكان يعشوهم في هذا السوق المنذر بن ساوى أحد بني عبد الله بن دارم، وهو ملك البحرين. ثم يترحلون نحو عمان من البحرين أيضاً فتقوم سوقهم بها. ثم يرتحلون فينزلون إرم وقرى الشحر من اليمن فتقوم أسواقم بها أياماً. ثم يرتحلون فينزلون عدن من اليمن أيضاً فيشترون منه اللطائم وأنواع الطيب. ثم يرتحلون فينزلون حضرموت من بلاد اليمن، ومنهم من يجوزها فيرد صنعاء فتقوم أسواقهم بها ويجلبون منها الخرز والأدم والبرود، وكانت تجلب إليها من معافر. ثم يرتحلون إلى عكاظ في الأشهر الحرم، فتقوم أسواقهم ويتناشدون الأشعار، ويتحاجون، ومن له أسير سعى في فدائه، ون له حكومة ارتفع إلى من له الحكومة، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة فيها من بني تميم، وكان آخر من قام بها منهم الأقرع بن حابس التميمي. ثم يقفون بعرفة ويقضون مناسك الحج. ثم يرجعون إلى أوطانهم قد حصلوا على الغنيمة، وآبوا بالسلامة.

.النوع السابع عشر: النظر في كتب التاريخ والمعرفة بالأحوال:

اعلم أن الكاتب يحتاج إلى معرفة وقائع التاريخ، وتفاصيلها، ولا يكاد يستغني عن العلم بشيء منها لأمور: منها العلم بأزمنة الوقائع والماجريات، وأحوال الملوك والأعيان والحوادث، والماجريات الحاصلة بينهم؛ فيحتج بكل واقعة منها في موضعها، ويستشهد بها فيما يلائمها، ويحتج لمثل ذلك، فإنه متى أخل بمعرفة ذلك احتج بالقصة في غير موضعها، أو نسبها إلى غير من هي له، أو لبس عليه خصمه بالاستشهاد بواقعة لا حقيقة لها، أو نسبها إلى غير من هي له ليظهر حجته عليه، وما يجري مجرى ذلك وفيه مقصدان:

.المقصد الأول في ذكر نبذة تاريخية لا يسع الكاتب جهلها مما يحتج به الكاتب تارة ويذاكر به ملكه أو رئيسه أخرى:

اعلم أن التاريخ بحر لا ساحل له، وقد أكثر الناس فيه من التصنيف على اختلاف فنونه: ما بين مختصر، ومبسوط، من مقتصر على فن، ومستوعب لفنون، وفي خلال تلك المصنفات نوادر غريبة، ولطائف عجيبة، لا يحصل الوقوف عليها إلا بعد استيعابها بالمطالعة، كما لا يقع الظفر بالجوهرة في المعدن إلا بعد عمل كثير يحصل في خلالها بغتة، فإذا التقطت الجواهر من المعدن، سهر تناولها لمريدها؛ وهي على ضربين:
الضرب الأول: الأوائل:
وهي معرفة مبادئ الأمور المهمة، وقد أفردها أبو هلال العسكري بالتصنيف، وأورد الثعالبي منها في كتابه لطائف المعارف نبذة صالحة، وتضمنت كتب التاريخ منها جملة مما لم يتعرضا إليه، وقد اقتصرت منها على ما تتشوف نفوس أكثر الناس إلى معرفته والاطلاع عليه: مما توفرت الدواعي عليه، فاستمر وجوده، وانسحب عليه حكم الاستعمال إلى الآن، أو اشتهر في مبدإ أمره، ثم زال بعد ذلك؛ جارياً في ترتيبه على وجه يقرب تنأوله، مقدماً الأهم فالأهم بالنسبة إلى حال الكاتب.
أمور تتعلق بالأنبياء عليهم السلام سوى ما يأتي ذكره مما شاكل غيره أول من استرق الرقيق إدريس عليه السلام. أول من شاب إبراهيم الخليل عليه السلام؛ وهو أول من قص شاربه، وأول من فرق شعره، وأول من تمضمض، وأول من استاك، وأول من قلم الأظفار، وأول من استنجى، وأول من اختتن، وأول من رمى الجمار.
الخلافة وما يتعلق بها أول من سمي خليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين ولي الخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يخاطب بخليفة رسول الله؛ وسيأتي ذكره في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة إن شاء الله تعالى، وهو أول من استخلف من الخلفاء: استخلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في مرض موته، وسيأتي ذكره في الكلام على ولاية الخلفاء في المقالة الخامسة؛ وهو أول خليفة فرض له العطاء في بيت المال عن الخلافة، ولما أدركته الوفاة أوصى باعادة جميع ما حمل إليه من ذلك إلى بيت المال من ماله.
أول من سمي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ وسيأتي ذكره في الكلام على هذا اللقب في جملة الألقاب في المقالة الثالثة؛ وهو أول من رتب بيت المال فيما ذكره العسكري، لكنه قد ذكر في موضع آخر أن عمر كان على بيت المال من قبل أبي بكر رضي الله عنه، فيكون أبو بكر قد سبقه إلى ذلك؛ وسيأتي ذكره في الكلام على وكالة بيت المال في المقالة الخامسة؛ وهو أول من كور الكور ومسح أرض السواد، ورتب الخراج على الأرضين، والجزية على الجماجم؛ وهو أول من حمل الطعام من مصر إلى الحجاز، وذلك في عام الرمادة عند غلو السعر بالحجاز. وسيأتي ذكره في الكلام على خليج القاهرة في أوائل المسالك والممالك.
أول من أقطع القطائع من الخلفاء أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ وسيأتي ذكره في بالكلام على الإقطاعات في المقالة السادسة، وهو أول من حمى الحمى لنعم الصدقة من الخلفاء، وهو أول من اتخذ صاحب شرطة من الخلفاء.
أول من اتخذ بيتاً ترمى فيه قصص أهل الظلامات أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وبقي حتى كتب له شتمه في رقعة، وطرحت في البيت فتركه؛ ثم اتخذه المهدي بعده، ثم ترك بعد ذلك.
أول من سلم عليه بالخلافة فقيل السلام عليك يا أمير المؤمنين معاوية؛ وكانوا قبل ذلك يقولون السلام عليكم، وهو أول من عهد إلى أبنه بالخلافة، عهد بها إلى ابنه يزيد، ثم تبعه الكثير من الخلفاء على ذلك، وهو أول من استخلف في حال صحته وإلا فأبو بكر لم يستخلف عمر إلا في مرض موته، وعمر لم يجعل الأمر شورى إلا وهو مطعون؛ وسيأتي ذكر ذلك جميعه في الكلام على ولاية الخلفاء في المقالة الخامسة، وهو أول من اتخذ المقصورة في المسجد لصلاة الجمعة؛ وقيل اتخذها مروان قبله، وقيل عثمان؛ وهو أول من نهى عن الكلام بحضرته من الخلفاء، وكان الناس قبل ذلك يردون على الخليفة ويعترضونه فيما يقول؛ وهو أول من اتخذ ديوان الخاتم لختم الكتب؛ وسيأتي ذكه في الكلام على اللواحق من المقالة الثالثة، وهو أول من اتخذ البريد في الإسلام، وسيأتي ذكره في الكلام على البريد في خاتمة الكتاب.
أول من سار في الناس بالجبرية من الخلفاء وأمر أن لا يخاطب باسمه كما يخاطب الخلفاء قبله الوليد بن عبد الملك فاتفق أن خالف رجل فخاطبه باسمه فأمر به فوطيء.
أول من رتب مراتب الخلافة وأقام حاجباً للاستئذان عليه أبو جعفر المنصور، واتخذ في قصره بيتاً يجلس فيه الناس حتى يؤذن لهم؛ وهو أول من اتخذ الأتراك اتخذ حماداً التركي، ثم اتخذ حماداً التركي، ثم اتخذ المهدي بعده مباركاً التركي، ثم أكثر الخلفاء من الأتراك بعد ذلك.
أول من جلس للمصائب من الخلفاء على البساط دون الأنماط هارون الرشيد حين نعي إليه قريبه: إبراهيم بن علي؛ فاتخذ الخلفاء ذلك دأباً في المآتم.
أول من نعت على المنبر بنعت الخلافة الأمين بن الرشيد فقيل: اللهم وأصلح عبدك وخليفتك عبد الله محمداً الأمين.
أول من أضيف لقبه من الخلفاء إلى اسم الله المعتصم فقيل المعتصم بالله، ثم تابعه الخلفاء على ذلك، وسيأتي ذكره في الكلام على الخلفاء في المقالة الثانية.
أول من حول السنة الشمسية إلى السنة القمرية وأقر النيروز المتوكل، وسيأتي ذكره في تحويل السنين في المقالة السابعة، وهو أول من أمر بتغيير زي أهل الذمة؛ وسيأتي ذكره في الكلام على عقد الصلح لأهل الذمة في المقالة السابعة.
أمور تتعلق بالملوك والأمراء:
أول من لبس التاج الضحاك أحد ملوك الفرس، وهو النمرود فيما يقال؛ وفي زمنه كان إبراهيم الخليل عليه السلام.
أول من مسح الأرضين، ووضع الدواوين، ووضع الخراج على الأرضين، ووظف الموظفات على البلاد قيذار أحد ملوك الفرس، واتخذ لذلك ديواناً وسماه ديوان العدل.
أول من جلس على السرير من ملوك العرب جذيمة الأبرش، وهو أول من وقعت له السمعة من ملوك العرب، وأول من لبس الطوق منهم.
أول من مشت الرجال معه وهو راكب الأشعث بن قيس. كانت بنو عمرو بن معاوية ملكوه عليهم وتوجوه.
أول من مشي بين يديه بالأعمدة الحديد زياد بن أبيه، وهو أول من جلس الناس بين يديه على الكراسي، وهو أول من اتخذ العسس والحرس.
أول من سلم عليه بالإمرة المغيرة بن شعبة فقيل السلام عليك أيها الأمير، وكانوا قبل ذلك يقولون السلام عليكم، ثم تبعه الأمراء على ذلك.
أول من حمل إليه الثلج الحجاج بن يوسف، وسيأتي ذكره في الكلام على حمل الثلج لصاحب الديار المصرية في خاتمة الكتاب.
أول من نقش اسمه من الملوك على الدنانير والدراهم مع الخلفاء عز الدولة بن بويه وإخوته ملوك الديلم القائمين على الخلفاء العباسيين ببغداد، في سنة أربع وثلاثين وثلثمائة، ثم تبعهم الملوك على ذلك.
أول من حمل السنجق على رأسه من الملوك غازي بن زنكي صاحب الموصل، وهو أول من اختار الأجناد أن يركبوا بالسيوف في أوساطهم والدبابيس تحت ركبهم.
أول من حمل الشمع معه على البغال في الليل من ملوك الديار المصرية محمد بن طغج الإخشيد، وكانت الشمعة تجعل على مؤخر البغل وفراش راكب أمامها، وهو يلتفت في كل قليل يصلحها، فأبدلها الملوك بعده بهذه الفوانيس التي تحمل على البغال مع الفانوسية أمام ملوك الديار المصرية في الليل.
أول من لقب من وزراء الفاطميين بالديار المصرية بالملك فلان رضوان ابن ولخشي وزير الحافظ: لقب بالملك الأفضل، وكان من قبله من الوزرء لا ينعت بالملك.
أول من لف العمامة على الكوتة من ملوك الديار المصرية الأشرف خليل بن قلاوون، وكانت ملوك بني أيوب يلبسون كلوتة صفراء بغير عمامة ولذلك تراهم يطلقون على أرباب الأقلام المتعممين في مقابلة أن الجند كانوا بغير عمائم.
أول من اعتاد حلق رأسه من ملوك الديار المصرية الملك الناصر محمد ابن قلاوون حين حج، وتبعه الأمراء والجند على ذلك واستمر الأمر على ذلك إلى الآن، وكان لهم قبل ذلك غدائر شعر مرسلة كعرب الحجاز ونحوهم.
الوزراء:
أول من سمي وزيراً في الإسلام أحمد بن سليمان الخلال، وزير السفاح أول خلفاء بني العباس، ثم تبعه وزراء الخلفاء والملوك على ذلك، وكانوا قبل ذلك يقولون كاتباً.
أول من لقب بالصاحب من الوزراء، كافي الكفاة إسماعيل بن عباد، وكان السبب في ذلك أنه كان يصحب الأستاذ ابن العميد فكانوا يقولون صاحب ابن العميد، ثم غلب عليه اللقب حتى قيل له الصاحب مجرداً وتبعه الخلفاء على ذلك، وسيأتي ذكره في الكلام على هذا اللقب في المقالة الثالثة.
أول من لقب بالملك الفلاني من وزراء الفاطميين بالديار المصرية رضوان بن ولخشي وزير الحافظ، لقب الملك الأفضل، ثم صار رسماً لوزرائهم بعد ذلك، وتبعهم ملوك الديار المصرية على ذلك إلى الآن.
القضاة:
أول قاض كان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استقضاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه، في خلافته فمكث سنة لا يأتيه أحد في قضية.
أول قاض بالمدينة النبوية عبد الله بن نوفل، استقضاء عليها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافته.
أول قاض بالكوفة جبير بن القشعم.
أول قاض بالبصرة أبو مريم الحنفي، أحد بني حنيفة، استقضاه أميرها عروة بن غزوان في سنة أربع عشرة من الهجرة.
أول قاض بمصر قيس بن أبي العاص السهمي، استقضاه عليها عمر ابن الخطاب رضي الله عنه. في خلافته في سنة ثلاث وعشرين من الهجرة.
أول قاض جمع له القضاء والشرطة بمصر عائش بن سعيد وليهما من قبل أميرها مسلمة بن مخلد.
أول قاض بمصر نظر في الأحباس يعني الأوقاف بمصر أبو محجن توبة في خلافة هشام بن عبد الملك، وكانت الأوقاف قبل ذلك بيد أربابها أو أوصيائهم، فقال: هذا مآلها إلى الفقراء والمساكين فأنا أضع يدي عليها، فما مضت له سنة حتى صار لها ديوان عظيم.
أول قاض بمصر خرج لرؤية الهلال عبد الله بن لهيعة. قال أبو عمر الكندي: وهو أول قاض ولي مصر عن خليفة، ولهيا عن أبي جعفر المنصور في أول سنة خمس وخمسين ومائة.
أول قاض ولي مصر ممن يقول بقول أبي حنيفة أبو الفضل إسماعيل بن اليسع الكندي، وكان أهل مصر قبله لم يعرفوا مذهب أبي حنيفة ولم يألفوه، وكان يرى بطلان الأوقاف، فكتب الليث فيه إلى أبي جعفر المنصور فكتب إليه بعزله.
أول قاض بمصر أدخل النصارى في خصوماتهم إلى المسجد أبو عبد الرحمن محمد بن مسروق، وكانت ولايته من قبل الرشيد في سنة سبع وسبعين ومائة، وهو أول من اتخذ لمجلسه الشهود من قضاة مصر.
أول قاض ولي مصر ممن يقول بقول مالك أبو نعيم إسحاق بن الفرات مولى معاوية بن حديج؛ وللشافعي عليه ثناء جميل في معرفة الخلاف، وهو أول قاض اتخذ للشهود ديواناً وكتب أسماءهم فيه، وكانت ولايته من قبل الرشيد في سنة بضع وثمانين ومائة.
أول قاض ولي على المصاحف أميناً بجامع الفسطاط الحارث بن مسكين، وكانت ولايته في خلافة المتوكل.
أول ما استقرت قضاة الديار المصرية أربعة، من كل مذهب قاض في سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري، وذلك أن القضاء بها كان بيد القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز وكان شافعياً، فكانت تأتيه المكاتيب المخالفة لمذهبه فيتوقف فيها فشق ذلك على السلطان والأمراء فاتفق رأيهم على أن يجعلوا من كل مذهب قاضياً ليقضي كل منهم بمذهبه.
أول ما خص قاضي القضاة الشافعي بالديار المصرية بالتولية في أعمالها دون رفقته الثلاثة في سلطنة المنصور قلاوون في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة، ذكره ابن المكرم في تذكرته.
الأمور العلمية:
أول من أخطأ في القياس إبليس، حيث قال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، أو لم يعلم أن ما ألقي إلى جوهر الطين زاد ونما، وما ألقي إلى جوهر النار اضمحل وتلاشى.
أول من نطق بالحكمة أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
أول من دل على تركيب الأفلاك، وقد مسير الكواكب، وكشف عن أخوال تأثيراتها، ونبه على عجائب الصنع فيها إدريس عليه السلام.
أول من نظر في الطب أفريدون ملك الفرس بعد الضحاك، وفي أيامه ظهرت الفلاسفة وتكلموا في علومهم.
أول من وضع النحو أبو الأسود الدؤلي بأمر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وهو أول من نقط المصاحف النقط الأول على الإعراب.
أول من صنف في علم الكلام واصل بن عطاء المعتزلي.
أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وغيرها من كتب العلوم الفلسفية خالد بن يزيد، ثم تلاه المأمون فأكثر من ذلك.
أول من صنف في غريب القرآن أبو عبيدة معمر بن المثنى.
أول من صنف في أصول الفقه الإمام الشافعي رضي الله عنه، صنف فيه كتابه الرسالة.
أول من صنف في الفقه مالك بن أنس صنف كتابه الموطأ.
أول من عمل العروض الخليل بن أحمد، وهو أول من صنف اللغة مرتبة على حروف المعجم صنف كتابه العين.
أول من صنف في علم البديع عبد الله بن المعتز.
أول من سن الإساءة والاجتراء في البحث فرعون، بينا هو وموسى عليه السلام في مقام المناظرة حيث قال {وما رب العالمين} فأجابه موسى بقوله {رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين} إلى آخر المناظرة بينهما إذ قال {لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين}.
الخطابة:
أول من جمع قريشاً وخطبهم ونبه على أن النبي صلى الله عليه وسلم منهم قصي بن كلاب، وسيأتي ذكره في الكلام على مكة في المسالك والممالك في المقالة الثانية.
أول من خطب على العصا وعلى الراحلة قس بن ساعدة الإيادي، وقد تقدم ذكر خطبته التي خطبتها على الراحلة في الكلام على الخطب.
أول من عمل المنبر تميم الداري عمله للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد رأى منابر الكنائس بالشام.
أول من أرتج عليه في الخطبة عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال: أيها الناس إن اللذين كانا من قبلي كانا يعدان لهذا المقام مقالاً، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وستأتيكم الخطبة على وجهها في الجمعة الأخرى ثم نزل.
أول من خطب جالساً معاوية ين كثر شحمه.
أول من أقام الجمعة بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، أسعد بن زرارة الأنصاري ببني بياضة.
أول من رفع يده في الخطبة يوم الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن عمر.
أول من أخرج المنبر في العيد مروان بن الحكم ولم يكن قبل ذلك يخرج.
الخط:
أول من خط بالقلم في الجملة قيل آدم عليه السلام وقيل إدريس.
أول من كتب بالعربية قيل هود عليه السلام أنزل عليه، وقيل إسماعيل، وقيل ثلاث نفر من بولان من طيئ اصطلحوا على ذلك، وسيأتي ذكره في الكلام على الخط في الباب الثاني من هذه المقالة.
كتابة الإنشاء:
أول من كتب في أول الكتب بسم الله الرحمن الرحيم سليمان عليه السلام، حين كتب لبلقيس كما أخبر الله تعالى عنه بقوله: {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ثم كتبها النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت.
أول من كتب في أول الكتب باسمك اللهم أمية بن أبي الصلت، فكتبها قريش في كتبهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يكتبها في ابتداء الأمر، وسيأتي ذكر جميع ذلك في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة.
أول من كتب من فلان إلى فلان قس بن ساعدة فيما قاله العسكري وأقره النبي صلى الله عليه وسلم، في مكاتباته، وسيأتي ذكره في الكلام على الفواتح في المقالة الثالثة.
أول من زاد في أوائل الكتب بعد التحميد وأسأله أن يصلي على محمد عبده ورسوله، هارون الرشيد؛ وسيأتي ذكره في الكلام على المكاتبات في المقالة الرابعة.
أول من أرخ بالهجرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وسيأتي ذكره في الكلام على الخواتم في المقالة الثالثة.
أول من كتب في آخر كتابه وكتب فلان بن فلان أبي بن كعب قاله العسكري.
أول من ختم الكتب سليمان عليه السلام فقد قيل في قوله تعالى حكاية عن بلقيس {إني ألقي إلي كتاب كريم} إن المراد به المختوم. وأول من ختمها في الإسلام النبي صلى الله عليه وسلم، حين قيل له: إن ملوك الأعاجم لا يقرؤون كتاباً غير مختوم فاتخذ خاتماً نقش فصه محمد رسول الله، فكان يختم به الكتب، وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على الخواتم.
أول من اتخذ الطين لختم الكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قاله الثعالبي في لطائف المعارف.
أول من اتخذ ديوان الخاتم معاوية بن أبي سفيان، حين كتب لرجل بمائه ألف درهم ففك الكتاب فأصلحها مائتين، قاله الثعالبي في لطائف المعارف.
كتابة الأموال وما في معناها:
أول من اتخذ الديوان في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وضع ديوان الجيوش. وسيأتي ذكره في الكلام على الإقطاعات في المقالة السادسة.
أول من جعل الحساب في دفاتر خالد بن برمك فيما قاله الثعالبي، وكان قبل ذلك في أدراج من كاغد ورق.
أول من نقل ديوان العراق من الفارسية إلى العربية الحجاج بن يوسف في خلافة عبد الملك بن مروان؛ نقله له صالح بن عبد الرحمن؛ كاتب كاتبه زاذان فروخ فكان كتاب العراقين علماء وتلاميذ.
أول من نقل ديوان الشام من الرومية إلى العربية عبد الملك بن مروان، نقله له سليمان بن سعيد مولى الحسين كاتب رسائل عبد الملك، فولاه عبد الملك جميع دواوين الشام.
أول من نقل ديوان مصر من القبطية إلى العربية عبد العزيز بن مراون في إمارته على مصر، ذكره صاحب المنهاج في صنعة الخراج.
أول من وسع في أرزاق الكتاب الفضل بن سهل وزير المأمون.
الخراج والجزية:
أول من وضع الخراج وأزال المقاسمة كسرى أنوشروان، وذلك أنه مر على زرع وامرأة تمنع ولدها منه، فسألها عن ذلك، فقالت: إن للملك فيه حقاً، ولا نستحله حتى يأخذ الملك حقه، فقرر على الزرع قدراً معلوماً، وخلى بين الغلة وأصحابها.
أول من وضع الخراج على الأرضين والجزية على الجماجم في الإسلام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين مسح السواد، ثم رسم بالمقاسمة أبو جعفر المنصور حين خرب السواد.
أول من ألزم الخراج كلفة الحمل ومؤونته زياد بن أبيه، فبقي حتى أسقطه زياد بن أبيه.
أول من عرف العرفاء على الناس لجباية المال وغيره زياد، وكان يقول: العرفاء كالأيدي والمناكب فوقها.
المعاملات:
أول من ضرب الدنانير والدراهم في الإسلام عبد الملك بن مروان، ضربها بالشام من فضة خالصة، وكان الناس قل ذلك يتعاملون بدارهم الفرس والروم؛ ولما ضربها عبد الملك كتب إلى الحجاج بالعراق بإقامة رسم ذلك، فضرب الدراهم ونقش عليها {قل هو الله أحد} إلى آخر السورة، فسميت الدراهم الأحدية، وكرهها الناس لنقش القرآن عليها، مع أنه قد يحملها المحدث، فسميت المكروهة.
قلت: وقد رأيت درهماً من هذه الدراهم الأحدية، أرانيه بعض أعيان حلب، وذكر لي أن فلاحاً أصاب ركازاً لطيفاً بها فأحضره إلى نائب حلب خوف عهدته، فاقتسمه هو وأهل مجلسه، وعوضه من كل درهم أضعافه، فحصل لوالد ذلك الرئيس هذا الدرهم فوصل إليه بعده.
أول من شدد في العيار في الدراهم يوسف بن عمر، أمر أن لا يضرب درهم بنقص حبة فما فوقها، ثم استخف درهماً فوجده ينقص حبة، فأمر أن يضرب كل رجل من الضربين ألف سوط، وكانوا مائة ضراب، فضرب في نقص حبة واحدة مائة ألف سوط.
أول من شدد في خلوص الذهب أحمد بن طولون صاحب مصر والشام، وذلك أنه حين وجد الكنز المشهور بعين شمس، وأتي له منه بميت وعلى صدره لوح ذهب مكتوب بالقبطية فعرب فإذا فيه: أنا أكبر الملوك وذهبي أخلص الذهب؛ فقال: قاتل الله من يكون هذا اللعين أكبر منه أو ذهبه أخلص من ذهبه، ثم شدد في التعليق حتى كان قاضيي القضاة يحضره بنفسه، وسيأتي الكلام على ذلك في معاملة الديار المصرية في المقالة الثانية.
أول من ضرب الدراهم الزيوف في الإسلام عبيد الله بن زياد.
أول من اتخذ ألسنة الموازين من الحديد عبد الله بن عامر أمير المدينة من قبل عثمان.
أول من عمل الأوزان الحجاج بن يوسف، عملها له سمير اليهودي، وذلك أن الحجاج حين ضرب الدراهم الأحدية على ما تقدم ضربها سمير اليهودي من فضة خالصة أيضاً وجعل فيها ذهباً فأراد الحجاج قتله، فقال: ألا أدلك على ما هو خير للمسلمين من قتلي؟ قال: هاته! فوضع الأوزان، وزن ألف، ووزن خمسمائة، ووزن ثلثمائة إلى وزن ربع قيراط فجعلها حديداً ونقشها وأتى بها إلى الحجاج فعفا عنه، وكان الناس قبل ذلك إنما يأخذون الدرهم الوازن فيزنون به غيره.
أول من اتخذ الذراع التي يذرع بها الأرضون أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين مسح السواد. وقيل أول من اتخذها زياد، نظر إلى ثلاثة نفر من أطولهم ذرعاً وأوسطه وأقصره فجمعها وأخذ ثلثها فجعلها ذراعاً.
العمارة:
أول بيت وضع في الأرض الكعبة، بنتها الملائكة؛ قال تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة}.
أول من جعل للكعبة باباً أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
أول من سقف بمكة سقفاً قصي بن كلاب، وكان الناس قبل ذلك إنما ينزلون في العريش.
أول من بوب بمكة باباً حاطب بن أبي بلتعة.
أول من اتخذ بمكة روشناً بديل بن ورقاء الخزاعي. وهو أول من بني بها بيتاً مربعاً، وكانوا قبل ذلك يتحامون التربيع في البناء كيلا يشبه بناء الكعبة.
أول قرية بنيت بعد الطوفان قرية ثمانين، من الجزيرة الفراتية، بناها نوح عليه السلام، وأنزل بها من كان معه في السفينة وهم ثمانون رجلاً.
أول مدينة بنيت بمصر بعد الطوفان مدينة منف، وأصلها بالسريانية ما فيه ومعناها ثلاثون؛ سميت باسم جماعة مصر بن بيصر الذين كانوا معه، وسيأتي ذكرها في جملة قواعد مصر القديمة في المقالة الثانية.
أول من عمل الحمام سليمان عليه السلام، صنعها له الجن وعملوا له النورة لإزالة شعر كان على بلقيس حين تزوجها فيما يقال.
أول من اتخذ الآجر هامان لفرعون حيث قال له: {فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً}.
أول من بنى بالجص والآجر في الإسلام زياد بن أبيه بالبصرة.
الزرع:
أول من غرس النخلة أنوش بن شيث بن آدم عليه السلام.
الصناعات:
أول من خاط الثياب إدريس عيه السلام، وكان الناس قبل ذلك يلبسون الجلود.
أول من عمل القراطيس يوسف عليه السلام، وقيل غيره؛ وسيأتي ذكره في الكلام على ما يكتب فيه في المقالة الثالثة.
أول من عمل الصأبون سليمان عليه السلام؛ قاله الثعالبي.
أول من عمل الكيمياء قارون، ويقال إنه المراد بقوله تعالى حكاية عنه: {قال إنما أوتيته على علم عندي}.
أول من عمل الزجاج ملكي أحد ملوك مصر بعد الطوفان، وسيأتي ذكره في الكلام على ملوكها في المقالة الثانية.
أول من تخذ الرحال علاف بن زبان الحميري، وكانت العرب قبل ذلك يركبون المحاضر.
أول من كسا الكعبة في الجاهلية تبع: أسعد أبو كرب.
أول من اتخذ المحامل له الحجاج بن يوسف.
أول من اتخذ السياط الأصبح بن مالك، أحد ملوك اليمن فقيل السياط الأصبحية.
اللباس:
أول من لبس الثياب الحمر قارون، ويقال إنه المراد بقوله تعالى: {فخرج على قومه في زينته}. وهو أول من أطال ثيابه وسحبها على الأرض عجباً وتيهاً.
أول من قور طيلساناً من العرب في الإسلام عبد الله بن عامر أمير المدينة من قبل عثمان. والطيلسان المقور على نحو الطرحة التي يلبسها الوزراء وقضاة القضاة الآن، وكانت وزراء الفاطميين يلبسونها. وهو أول من لبس الخز، فقال أهل المدينة لبس الأمير جلد دب.
أول ما لبس بنو العباس السواد حين قتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية إبراهيم بن محمد الإمام أول قائم منهم بطلب الخلافة حزناً عليه، فاستمر فيهم، وفيه كلام يأتي في المقالة الثانية عند الكلام على لبس الخلفاء.
أول من لبس الخفاف الساذجة بالبصرة زياد بن أبيه.
أول من احتذى النعال من العرب جذيمة الأبرش.
أول من خلع نعليه عند دخول الكعبة في الجاهلية الوليد بن المغيرة.
أول من لبس النعال الصرارة المرواني كان قصيراً فاتخذ النعال الغلاظ الصرارة لتزيد في طوله وليسمعه جواريه وحرمه عن دخول بيته فتصلح شأنها من كانت على غير هيئة صالحة. قال العسكري: من ثم اتخذ الناس نعال الخشب يعني القباقيب.
أول من أمر بتغيير زي أهل الذمة المتوكل، أمرهم أن يلبسوا العسلي، ويتخذوا ركب الخشب ونحو ذلك فيمتازوا عن المسلمين، وسيأتي ذكره في عقد صلح أهل الذمة في المقالة السابعة.
الحرب وآلاته:
أول من ركب الخيل إسماعيل عليه السلام، وكانت قبله وحوشاً لا تركب فراضها وركبها، وتعلم بنوه رياضتها منه، فصارت فيهم إلى الآن. ولذلك العرب أعرف الناس بالخيل. وهو أول من ميز بني العتاق منها والهجن في سهام أصحابها، فسبقت العتاق الهجن.
أول من اتخذ الدروع ولبسها داود عليه السلام إذ يقول تعالى: {وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد} وكانوا قبل ذلك يلبسون تنانير من حديد.
أول من اتخذ السلاح وجاهد سليمان عليه السلام فيما قاله العسكري، وفيه نظر.
أول من اتخذ الحديد من العرب ذو يزن الحميري، وكانت أسنتهم قبل ذلك صياصي البقر.
أول من اتخذ الحصن من الجبل للكمائن الإسكندر.
أول من اتخذ المنجنيق الضحاك حين أراد إلقاء إبراهيم عليه السلام في النار، وضعه فيه ورمى به في النار فكانت عليه برداً وسلاماً. وأول من اتخذه من العرب جذيمة الأبرش.
أول من اتخذ الجواسيس والعيون على العدو الإسكندر.
أول لواء عقده النبي صلى الله عليه وسلم، لواء أبيض لعمه حمزة وقال: «خذه يا أسيد الله» وذلك في رمضان من السنة التي هاجر فيها، وحمله له يزيد بن أبي يزيد.
أول ما عقدت الرايات في الإسلام يوم حنين، عقد صلى الله عليه وسلم، راية سوداء من برد عائشة، وكانوا قبل ذلك لا يعرفون إلا الألوية قاله العسكري.
أول من قتله النبي صلى الله عليه وسلم، بيده أبي بن خلف لعنه الله، طعنه صلى الله عليه وسلم طعنة خفيفة فوجد لها ألماً شديداً فقيل له لن تبالي فقال: لو أن ما بي بأهل الأرض لقتلهم، ومات منها.
أول حرب كانت بين أهل القبلة يوم صفين، بين عائشة وعلي رضي الله عنهما.
الأسماء والألقاب:
أول من سمى المصحف مصحفاً أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين جمع القرآن.
أول من سمي باسم النبي صلى الله عليه وسلم، محمد بن حاطب حين ولد بأرض الحبشة في الهجرة الأولى.
أول من سمي بالحسن والحسين السيطان ولدا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو أحمد العسكري في كتابه التصحيف والتحريف: قال المفضل: حجب الله هذين الاسمين عن أن يسمى بهما حتى سمى بهما النبي صلى الله عليه وسلم، ابنيه عليهما السلام أما حسن وحسين الموجودان في أنساب طيئ فالأول بسكون السين والثاني بفتح الحاء وكسر السين.
أول من سمى عبد الملك في الإسلام عبد الملك بن مروان.
أول من سمي بعد النبي صلى الله عليه وسلم أحمد أبو الخليل واضع العروض ولذلك يقال فيه الخليل بن أحمد.
أول من سمى الغالية غالية معاوية بن أبي سفيان، شمها من عبد الله ابن جعفر فوصفها له فقال إنها غالية.
أول ما سميت العطيات جوائز في زمن عثمان رضي الله عنه، وذلك أن ابن عامر كان على العراق من قبل عثمان فبعث جيشاً مع قطن بن عبد عوف الهلالي إلى كرمان، فجرى الوادي بسيل خيف منه الغرق، فقال قطن: من عبره فله ألف درهم، فعبره رجل ثم آخر حتى جاز جميعهم فأعطاهم قطن ألفاً ألفاً، فكان جملة ذلك أربعة آلاف ألف، فاستكثرها ابن عامر فكتب بها إلى عثمان فأجازها، وقال: كل ما كان في سبيل الله فهو جائز.
أول ما لقب بفلان الدولة في أيام المكتفي بالله.
أول ما لقب بفلان الدين في أيام القادر بالله؛ وسيأتي ذكره في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة.
الضيفان:
أول من قرى الضيف إبراهيم الخليل عليه السلام حتى كني أبا الضيفان لكثرة قراه لهم.
أول من سن للضيف صدر المجلس بهرام جور: أحد ملوك الفرس.
أول من هشم الثريد للقرى في زمن المحل هاشم بن عبد مناف، وبذلك سمي هاشماً وكان اسمه قبل عمراً.
أول من فطر جيرانه في شهر رمضان عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب. وهو أول من حمل الطعام على رؤوس الناس لكثرته وأول من أنهبه.
وجوه البر:
أول من اتخذ البيمارستان بالشام للمرضى الوليد بن عبد الملك.
أول من اتخذ البيمارستان بمصر أحمد بن طولون بناه بالفسطاط، وهو موجود إلى الآن.
أول من فوض إلى الناس إخراج زكاتهم بأنفسهم عثمان بن عفان رضي الله عنه.
الأعياد والمواسم:
أول من اتخذ النيروز من الفرس جما الملك، وهو الذي بنى مدينة طوس، يقال إنه كان في زمن هود عليه السلام، كان الدين قبله قد تغير وظهر الجور، فلما ملك جدد الدين وأظهر العدل فسمي اليوم الذي ملك فيه نوروز أي يوم جديد عربته العرب فقلبوا الواو فقالوا نيروز.
أول هدية كانت في النيروز لجما الملك المتقدم ذكره، وذلك أنه لم يظهر القصب إلا في أيامه فذاقه بعض الناس فاستحلاه فصنع منه السكر فوافق فراغه في أول يوم ملك فيه جما وهو يوم النيروز فأهدي إليه منه في ذلك اليوم، فصار سنة عندهم، فهم يتهادون فيه بالسكر، ثم توسعوا فيه فتهادوا بغير السكر.
أول ما ظهر المهرجان في زمن أفريدون القائم بعد الضحاك من ملوك الفرس، وذلك أنه لما ظفر بالضحاك فقيده وانقطع ما كان في زمنه من الظلم والفساد، سمى اليوم الذي ظفر به فيه المهرجان. قال العسكري: والمهر الوفتاء كأن معناه سلطان الوفاء، وكان سبيل الملوك فيه سبيل النيروز.
أول من افتتح المكاتبة بتهنئة النيروز والمهرجان أحمد بن يوسف أهدى إلى المأمون سفط ذهب فيه قطعة عود هندي في طوله وعرضه، وكتب معه هذا يوم جرت فيه العادة، بإلطاف العبيد السادة.
الأقوال:
أول من قال أما بعد داود عليه السلام، ويقال إنها فصل الخطاب المشار إليه بقوله تعالى: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}. وقيل أول من قالها قس بن ساعدة.
أول من قال مرحباً سيف بن ذي يزن، قال ذلك لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم، حين وفد عليه ليهنئه برجوع الملك إليه، فقال له مرحباً وأهلاً، وناقة ورحلاً، ومناخاً سهلاً؛ وملكا ربحلاً، يعطي عطاءً جزلاً.
أول من قال جعلت فذاك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالها لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفتنة، فقال جعلت فداك يا رسول الله فما أصنع؟. وقيل أول من قالها له علي بن أبي طالب حين دعا عمرو بن ود العامري إلى المبارزة، فقال علي جعلت فداك يا رسول الله أتأذن لي؟ ثم استعملها الكتاب بعد ذلك في مكاتباتهم.
أول من قال أطال الله بقاءك. عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تكلم علي رضي الله عنه بحضرته في العدل بكلام أعجبه، فقال له: صدقت أطال الله بقاءك؛ ثم نقلها الكتاب إلى استعمالها في مكاتباتهم.
أول من قال أيدك الله عمر بن الخطاب قاله لعلي عليه السلام أيضاً.
الشعر والغناء:
أول من قصد القصائد مهلهل خال امرئ القيس؛ والقصيد ما زاد على سبعة أبيات.
أول من أطال الرجز العجاج. قيل إن الرجز كان في الجاهلية إنما يقول منه الرجل البيتين أو الثلاثة في الحرب ونحوه حتى جاء العجاج ففتح أبوابه وشبهه بالشعر، ووصف فيه الديار وأهلها، والرسوم والفلوات، ونعت الإبل والطلول؛ وكان في أول الإسلام يشبه بامرئ القيس.
أول من استخرج اللطيف من المعاني في الشعر وجرى على طريقة البديع مسلم بن الوليد.
أول من أخرج الغناء العربي جرادة جارية ابن جدعان فيما قاله العسكري. وفيه نظر فإن الغناء معهود من عهد عاد حتى كان من جملة مغنياتهم الجرادتان اللتان يضرب بهما المثل فيقال غنته الجرادتان.
أول من علم الجواري المنمنمات الغناء إبراهيم الموصلي، وكان الناس بمكة لا يعلمون الجارية الحسناء الغناء.
النساء:
أول امرأة خفضت هاجر أم إسماعيل؛ وذلك أنها حين تغيرت عليها سارة لتسري إبراهيم عليه السلام بها حلفت لتقطعن شيئاً من جسدها فأشار عليها إبراهيم. أن تخفضها، وتثقب أذنيها، وتجعل فيهما قرطين ففعلت فزادت حسناً.
أول امرأة اكتحلت بالإثمد زرقاء اليمامة، وكانت تنظر مسيرة ثلاثة أيام.
أول امرأة تنبأت سجاح التميمية التي تزوجها مسيلمة الكذاب.
أول امرأة لبست المصبغات في الإسلام شميلة زوج عباس، وهي أول من عبأت الطيب.
الموت والدفن:
أول امرأة حملت في نعش زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة.
أول من دفن بقرافة مصر رجل اسمه عامر فقال عمرو بن العاص: عمرت والله.
أمور تنسب للجاهلية:
أول من حرم الخمر في الجاهلية الوليد بن المغيرة، وقيل قيس بن عاصم، ثم جاء الإسلام بتقريره.
أول من حرم القمار في الجاهلية الأقرع بن حابس التميمي؛ ثم جاء الإسلام بتقريره.
أول من رجم في الزنا في الجاهلية ربيع بن حدان؛ ثم جاء الإسلام بتقريره في المحصن.
أول من حكم أن الولد للفراش في الجاهلية أكثم بن صيفي حكيم العرب، ثم جاء الإسلام بتقريره.
أول من قطع في السرقة في الجاهلية الوليد بن المغيرة، ثم جاء الإسلام بتقريره.
أول من سن الدية مائة من الإبل عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ثم جاء الإسلام بتقريره.
أول من سن الدية مائة من الإبل عبد المطلب جد النبي صلى الله عليه وسلم؛ وذلك أنه نذر إن ولد له عشرة ذكور ليذبحن العاشر فولد له عشرة، وكان عاشرهم عبد الله أبو النبي صلى الله عليه وسلم، فرام ذبحه، فعارضه قريش في أمره، وأشير عليه بأن يقرع بينه وبين الإبل حتى تخرج القرعة على الإبل، فأقرع بينه وبين عشرة فخرجت القرعة عليه، ثم زاد عشرة بعد عشرة وهي تقع عليه حتى بلغ مائة من الإبل فوقعت القرعة عليها فنحرها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، يقول أنا ابن الذبيحين يعين إسماعيل وعبد الله، ثم جاء الإسلام بتقريرها.
أول من أوقد النار بالمزدلفة حتى يراها من بالموقف قصي بن كلاب، فهي توقد إلى الآن.
أول من أهدى البدن إلى البيت إلياس بن مضر.
أول من أظهر التوحيد بمكة قبل البعثة قس بن ساعدة.
أول من خضب بالوسمة من قريش عبد المطلب.
أول من نسأ النسيء، وسيب السوائب، وجعل الوصيلة والحامي عمرو بن لحي وهو أبو خزاعة.
الضرب الثاني من النبذ التاريخية التي لا يسع الكاتب جهلها:
نوادر الأمور واللطائف الوقائع والماجريات العراقة وشرف الآباء:
قال الثعالبي: أشرف الأنبياء في النبوة يعني تواصل الآباء فيها يوسف ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام؛ وشاهد ما قاله أن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» ولا يخفى أن إخوته عيهم السلام في هذه الرتبة في العراقة.
أعرق الأكاسرة في الملك شيرويه بن أبرويز بن أردشير بن بابك ملك ابن ملك ابن ملك.
أعرق الناس في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بن أبي قحافة رضي الله عنهم، أربعتهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم، وصحبوه.
أعرق الخلفاء في الخلافة المنتصر، بن المتوكل، بن المعتصم، بن الرشيد، بن المهدي، بن المنصور في آبائه خمسة آباء خلفاء وهو سادسهم فيها؛ وفي معناه أخواه المعتمد والمعتز؛ أما عبد الله بن المعتز وإن زاد أباً في الخلافة فإنه لم تمض عليه مدة تعتبر. ولذلك لا يعده أكثر المؤرخين في جملة الخلفاء.
أعرق الناس في الملك والخلافة جميعاً باعتبار الأصول والحواشي من الذكور والإناث يزيد بن الوليد بن عبد الملك بن مروان. أما من جهة الخلافة فهو خليفة، وأبوه خليفة، وجده خليفة، وجد أبيه خليفة، وعمومته خلفاء. وأما من جهة الملك فأمه شاهر بنت فيروز، بن يزد جرد، بن شهريار، وأمها من بنات شيرويه بن أبرويز، وأم شيرويه مريم بنت قيصر، وأم فيروز بنت خاقان ملك الترك.
أعرق الوزراء في الوزارة أبو علي الحسين، بن القاسم، بن عبيد الله ابن سليمان بن وهب، وأخوه أبو جعفر محمد بن القاسم؛ فإن القاسم وزر للمقتدر ومحمد وزر للقائم وأباهما القاسم وزر للمعتضد ثم للمكتفي بعده، وعبيد الله وزر للمعتضد، وسليمان وزر للمهتدي وبعده للمعتمد فكل من السحين ومحمد وزير ابن وزير ابن وزير ابن وزير يعين في آبائه ثلاثة وزراء، وهو الرابع فيها.
أعرق الناس في القتل عمارة بن حمزة بن مصعب بن الزبير بن العوام بن خويلد، قتل عمارة وأبوه حمزة جميعاً يوم قديد في حرب الإباضة، وقتل مصعب بدير الجاثليق في الحرب بينه وبين عبد الملك، وقتل الزبير بوادي السباع في توبة الجمل، وقتل العوام في حرب الفجارن وقتل خويلد في حرب خزاعة. قال الثعالبي: ولا يعرف في العرب والعجم ستة مغبونون في نسق واحد إلا آل الزبير.
أعرق الناس في الفقه إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، كان كل من إسماعيل وحماد فقيهاً وأبو حنيفة الإمام الأعظم.
أعرق الناس في القضاء بلال بن بردة بن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، كان بلال قاضياً على البصرة، وأبو بردة قاضياً على الكوفة، وأبو موسى قاضياً لأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه.
أعرق الناس في حجابة الخلفاء العباس بن الفضل بن الربيع، فإن العباس حجب الأمين، والفضل حجب الرشيد قبل أن يتقلد عنه الوزراة، والربيع حجب المنصور والمهدي؛ وفي ذلك يقول أبو نواس من أبيات:
ساد الربيع وساد فضل بعده ** ونمت بعباس الكريم فروع

عباس عباس إذا احتدم الوغى ** والفضل والربيع ربيع

أعرق الناس في الشعر سعيد بن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام، ستة كلهم شعراء على نسق؛ ثم كانت العراقة في الشعر بعده مع زيادة آباء لمتوج، بن محمود، بن مروان، بن يحيى، بن مروان، بن الحبوب، بن مروان، بن سليمان، بن يحيى، بن أبي حفصة مولى عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ عشرة على نسق.
الغايات من طبقات الناس:
أشرف الناس في الأمة نسباً الحسن والحسين عليهما السلام، رسول الله صلى الله عليه وسلم جدهما، والقاسم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم خالهما، وعلي بن أبي طالب أبوهم، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهما، وخديجة بنت خويلد جدتهم.
أشرف النساء في النسب والصهر فاطمة؛ رسول الله صلى الله عليه وسلم أبوها، وخديجة أمها، وعلي بن أبي طالب زوجها، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ولداها.
أشرف الناس في المصاهرة عبد الله بن عمرو بن عثمان، تزوج إليه أربعة من الخلفاء: تزوج الوليد بن عبد الملك بنته عبدة، وسليمان بن عبد الملك بنته عائشة، ويزيد بن عبد الملك بنته أم سعيد، وهشام بن عبد الملك بنته رقية؛ قال الثعالبي ولا يعرف رجل له أربعة أختان خلفاء إلا هو.
غرائب أمور تتعلق بالخلفاء:
امرأة ولدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة والزبير؛ وهي حفصة ابنة محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان؛ أبوها محمد المديج، وأمها خديجة بنت عثمان بن عروة بن الزبير، وأم عروة أسماء بنت أبي بكر، وأم المدبج فاطمة بنت الحسين بن علي، وأم الحسين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأم فاطمة بنت الحسين أم إسحاق بنت عبيد الله، وأم عبد الله بن عمرو زينب بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب، فهي من ولد كل من المذكورين.
أربع نسوة في الإسلام ولدت كل واحدة منهن خليفتين: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولدت الحسن والحسين، وقد بويع لهما بالخلافة، وولادة بنت العباس الغبسية زوجة عبد الملك بن مروان ولدت له الوليد وسليمان، وهما خليفتان، وساهر بنت فيروز بن يزدجرد زوجة الوليد بن عبد الملك ولدت له يزيد وإبراهيم فوليا الخلافة، والخيزران ولدت للمهدي موسى الهادي وهارون الرشيد.
امرأة لها اثنا عشر محرماً كل منهم خليفة، وهي عاتكة بنت يزيد بن معاوية، يزيد أبوها، ومعاوية بن أبي سفينا جدها، ومعاوية بن يزيد أخوها، وعبد الملك بن مروان زوجها، ومروان بن الحكم حموها، ويزيد بن عبد الملك ابنها، والوليد وسليمان وهشام أبناء عبد الملك أولاد زوجها.
ومثلها من بني العباس زبيدة بنت جعفر بن المنصور؛ جدها المنصور، وأخو جدها السفاح، وزوجها الرشيد، وعمها المهدي، وابنها الأمين، وأبناء زوجها المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل.
خليفة سلم عليه بالخلافة عمه وعم أبيه وعم جده، وهو هارون الرشيد سلم عليه سليمان بن المنصور، والعباس بن محمد عم أبيه المهدي، وعبد الصمد بن علي عم جده أبي جعفر المنصور.
خليفة سلم عليه من أهل بيته سبعة كل منهم ابن خليفة، وهو المتوكل؛ سلم عليه أحمد بن الواثق، وأحمد بن المعتصم، وسليمان بن المأمون، وعبد الله بن الأمين، وأبو محمد بن الرشيد، والعباس بن الهادي، ومنصور ابن المهدي.
خليفة قبل هو وابنه يد خليفة فأجاز ابنه بجائزة ثم قبل المقبلة يده هو وابنه يد المقبل أولاً وهو خليفة فأجاز ابنه مثل تلك الجائزة، وهو المعتصم وقف لإبراهيم بن المهدي أيام خلافته ثم نزل المعتصم فقبل يده ثم أدنى منه ابنه هارون فقبل يده، وقال يا أمير المؤمنين عبدك هارون ابني فأمر له بعشرة آلاف درهم، فلما استخلف المعتصم وقف له إبراهيم بن المهدي ثم ترجل في ذلك الموضع بعينه وقبل يده وأدنى منه ابنه هبة الله فقبل يده، وقال: يا أمير المؤمنين عبدك هبة الله ابني فأمر له بعشرة آلاف درهم. قال الصولي: ولا يعرف مثل ذلك لخليفتين وابنيهما.
خليفة جرت أموره كلها على ثمانية، وهو المعتصم، فهو الثامن من خلفاء بني العباس، ومولده سنة ثمان وسبعين ومائة، وعمره ثمان وأربعون سنة، وكان ثامن أولاد الرشيد، وملك ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام، وخلف ثمانية بنين، وثمان بنات، وثمانية آلاف دينار، وثمانية وعشرين ألف درهم، وثمانية عشر ألف دابة، وله ثمان فتوحات، وتوفي لثمان بقين من شهر ربيع الأول ومن ثم سمي المثمن.
خليفة له عشرة أولاد وعشرة إخوة، وعشرة أولاد إخوة، وهو مروان بن الحكم فأولاده العشرة: عبدالملك، ومعاوية، وعبد العزيز، وقس، وعمر، ومحمد، وعبيد الله، وعبدالله، وأيوب، وداود. وإخوته: عبد الواحد، وعبد الملك، وعبد العزيز، وسعيد بنو الحارث بن الحكم، وحرب، وعثمان، وعمر بنو عبد الرحمن بن الحكم، ويوسف، وسليمان، ويحي، بنو يحي بن الحكم.
ليلة ولد فيها خليفة، ومات فيها خليفة، وولي فيها خليفة؛ وهي ليلة السبت لأربع بقيت من ربيع الأول سنة سبعين ومائة؛ ولد فيها المأمون، ومات فيها الهادي، واستخلف فيها الرشيد؛ ولا يعهد مثل ذلك في زمن من الأزمان.
خليفتان أحدهما ابن الآخر بين قبريهما بعد كبير؛ وهما الرشيد والمأمون، قبر الرشيد بطوس وقبر المأمون بطرسوس.
خليفة ركب البريد، وهو موسى الهادي، مات أبوه المهدي وهو نائبه على جرجان، فكتب إليه الرشيد بالخبر والبيعة ووجه إليه الخاتم والبردة والقضيب فركب البريد وأتى إلى بغداد بعد ثلاثة عشر يوماً من موت المهدي، ولا يعرف خليفة ركب البريد غيره.
خليفتان اسم كل منهما جعفر قتل كل منهما في يوم الأربعاء وهما المتوكل والمقتدر.
خليفة ولي الخلافة ستين سنة متوالية؛ وهو المستنصر بالله الفاطمي خليفة مصر على أن الثعالبي في لطائف المعارف قال: استقرت ولاية معاوية ابن أبي سفيان أربعين سنة عشرون منها إمارة وعشرون منها خلافة.
خليفة كانت خلافته يوماً أو بعض يوم، هو عبد الله بن المعتز، بويع بعد خلع المقتدر، فلما كان من الغد حاربه غلمان المقتدر وعاونهم العامة فهرب واختفى ثم ظفر به.
أربعة إخوة ولي كل منهم الخلافة، وهم الوليد، وسليمان، ويزيد، وهشام أولاد عبد الملك بن مروان.
لم يل الخلافة من أبوه حي سوى أبي بكر الصديق والطائع لله وكلاهما اسمه أبو بكر.
لم يل الخلافة من أبواه هاشميان سوى الحسن بن علي من فاطمة ومحمد الأمين ابن الرشيد من زبيدة.
لم يل الخلافة من اسمه العباس سوى أمير المؤمنين المستعين بالله أبي الفضل العباس بن المتوكل على الله محمد خليفة العصر، على كثرة هذا الاسم في أولاد الخلفاء العباسيين وكونه اسم جدهم الأكبر. قلت: وقد أخبرني أمير المؤمنين المستعين المشار إليه أن تسميته العباس كانت برؤيا رآها الشيخ بدر الدين البهنسي بمكة المشرفة، رأى العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه في النوم، وهو يقول له: قل لولدي محمد، يعني المتوكل على الله إذا ولد له ولد يسميه العباس؛ وسيأتي ذكر ذلك في الكلام على العهد الذي أنشأته قبل ولايته الخلافة بنحو ثمان سنين امتحاناً للخاطر، في جملة العهود في المقالة الخامسة.
أعجوبة قال الصولي: الناس يرون أن كل سادس يقوم بأمر الدين منذ أول الإسلام لا بد أن يخلع: النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، والحسن فخلع. ثم معاوية، ويزيد، ومعاوية، ومروان، وعبد الملك، وعبد الله بن الزبير فخلع. ثم الوليد بن عبد الملك، وسليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيد، وهشام، والوليد بن يزيد فخلع. ثم كان منهم يزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان بن محمد وهو آخرهم ولم يكن بعده من بني أمية من يتم العدد بهم ستة فألغي.
ثم كانت الدولة العباسية فكان السفاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين فخلع. ثم المأمون، والمعتصم، والواثق، والمتوكل، والمنتصر، والمستعين فخلع. ثم المعتز، والمهتدي، والمعتمد، والمعتضد، والمكتفي، والمقتدر فخلع في فتنة المعتز، والمهتدي، والمعتمد، والمعتضد، والمكتفي، والمقتدر فخلع في فتنة المعتز. ثم رد إلى الخلافة ثم قتل؛ ولم يعتد بخلافة ابن المعتز لخلعه في يومه. قال صاحب رأس مال النديم والثعالبي في لطائف المعارف: ثم القاهر، ثم الراضي، ثم المتقي، ثم المستكفي، ثم المطيع، ثم الطائع فخلع. قال الصلاح الصفدي: ثم القادر، والقائم، والمقتدي، والمستظهر، والمسترشد، والراشد فخلع. ثم المقتفي، والمستنجد، والمستضيء، والناصر، والظاهر، والمستعصم فخلع وقتل أيام هولاكو عند استيلائه على بغداد.
قلت: هذا غلط فاحش من الصلاح الصفدي لا يليق بمثله فإنه أسقط قبل المستعصم المستنصر وهو السادس.
وقد ذكر الشيخ شمس الدين بن نباتة في تاريخ الخلفاء أنهم لما بايعوا المستنصر المذكور خلعوه ثم أعادوه فراراً من التطير بخلع السادس، وحينئذ فيكون من بعد المستنصر المستعصم المذكور ثم المستنصر أحمد، الذي أتى به الظاهر بيبرس وتوجه إلى الديار المصرية، ثم الحاكم أحمد، ثم ابنه المستكفي سليمان، ثم ابنه المستعصم أحمد، ثم الواثق إبراهيم فخلع، ثم المعتضد أبو بكر بن المستكفي، ثم ابنه المتوكل، ثم المستعصم زكريا، ثم المعتضد أبو بكر بن المستكفي، ثم ابنه المتوكل، ثم المستعصم زكريا، ثم الواثق عمر، ثم المستعين أبو الفضل العباس خليفة العصر أدام الله أيامه وهو الخامس والله تعالى أعلم بمن يكون السادس وما يكون من أمره.
قال الصلاح الصفدي: وكذلك العبيديون المعروفون بالفاطميين كان منهم بالمغرب عبيد الله المهدي، والقائم بأمر الله، والمنصور، والمعز باني القاهر بالمغرب ثم بمصر والعزيز، والحاكم فقتلته أخته. ثم الظاهر، والمستنصر، والمستعلي، والآمر، والحافظ، والظافر فخلع وقتل، ثم الفائز، والعاضد وهو آخرهم. قال وكذلك بنو أيوب في ملك مصر أولهم صلاح الدين، ثم ولده العزيز، وأخوه الأفضل بن صلاح الدين، والعادل الكبير أخو صلاح الدين، والكامل ولده، والعادل الصغير فخلع. ثم كان منهم الصالح نجم الدين أيوب، ثم المعظم توران شاه، ثم أم خليل شجرة الدر، ثم الأشرف موسى وهو الرابع ولم يكن منهم من يكمل الستة. قال: وكذلك دولة الأتراك ملوك مصر أولهم المعز أيبك، وابنه المنصور، والمظفر قطز، والظاهر بيبرس، وابنه السعيد بكرة، وأخوه العادل سلامش فخلع، وملك السلطان الملك المنصور قلاوون.
قلت: ثم ابنه الأشرف خليل، ثم المعظم بيدرا ولم يعتد به لخلعه من يومنه، كما لم يعتد بابن المعتز في الخلفاء، ثم الناصر محمد بن قلاوون، ثم العادل كتبغا، ثم المنصور لاجين، ثم المظفر بيبرس الجاشنكير فخلع، ثم المنصور أبو بكر بن الناصر محمد، ثم الأشرف كحك بن الناصر محمد، ثم الناصر أحمد بن الناصر محمد، ثم الصالح إسماعيل بن الناصر محمد، قم الكامل شعبان بن الناصر محمد، ثم المظفر حاجي بن الناصر محمد فخلع، ثم الناصر حسن بن الناصر محمد، ثم الصالح صالح بن الناصر محمد، ثم المنصور محمد بن المظفر حاجي، ثم الأشرف شعبان بن حسين بن الناصر محمد، ثم ابنه المنصور علي، ثم الصالح حاجي بن الأشرف شعبان فخلع، ثم الظاهر برقوق، ثم الناصر فرج سلطان العصر وهو الثاني والله أعلم بمن يكون السادس.
غرائب تتعلق بالملوك ملك ملك وهو في بطن أمه؛ وهو سأبور ذو الأكتاف أحد ملوك الفرس، مات أبوه وهو حمل ولم يكن له ولد سواه، فعقدوا التاج على رأس أمه على أن يكون من في بطنها هو الملك كائناً من كان. فلما وضعته ملكوه.
ثلاثة من ملوك فارس ابن وأب وجد اسمهم واحد. وهو بهرام بن بهرام بن بهرام؛ ومثلهم من ملوك غسان من العرب الحارث بن الحارث بن الحارث. قال الثعالبي: وهذا التناسق لا يقع إلا في الأكابر والرؤساء وقد جاء من هذا النمط في سادات الإسلام الحسن بن الحسن بن السن السبط.
ملكان إسلاميان أول اسم كل واحد منهما عين قتل كل واحد منهما ثلاثة ملوك أول اسم كل واحد منهم عين: أحدهم عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، والثاني أبو جعفر المنصور اسمه عبد اله، قتل أبا مسلم الخراساني واسمه عبد الرحمن وعمه عبد الرحمن بن علي وعبد الجبار بن عبد الرحمن والي خراسان.
قال الثعالبي: أربعة في الإسلام قتل كل واحد منهم أكثر من ألف ألف رجل، وهم الحجاج بن يوسف، وأبو مسلم الخراساني، وبابك، والبرقعي.
قلت: وقد وقع لتيمور كوركان المعروف بتمرلنك صاحب ما وراء النهر على رأس الثمانمائة من الهجرة ما هو أكثر من ذلك، فإنه قد فتح من الهند إلى الخليج القسطنطيني، وقتل من كل إقليم من الخلق ما لا يحصى حتى كان يبني بالرؤوس في كل مدينة يفتحها مناراً.
غرائب تتعلق بسراة الناس ثلاثة بنو أعمام في زمن واحد، كل منهم سيد جليل، لم يصلح للإمامة أو الرياسة ثم كان لكل منهم ابن اسمه محمد كذلك، وهم علي بن عبد الله ابن عباس وابنه محمد وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب وابنه محمد، وعلي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وابنه محمد. قال الجاحظ: وهذا من غرائب ما يتفق في العالم، فإن هذا أمر لم يشاركهم فيه أحد.
أب وابن تقارب ما بينهما من العمر تقارباً شديداً وهما عمرو بن العاص وابنه عبد الله كان بينهما في السن ثلاث عشرة سنة. قال الثعالبي: ولا يعهد مثل ذلك.
أخوان تباعد ما بينهما في السن تباعداً شديداً وهما موسى بن عبيدة الربذي المحدث وأخوه عبد الله كان بينهما في السن مائة سنة ولم يعرف مثل ذلك في غيرهما.
أربعة إخوة كل واحد منهم أسن من الآخر بعشر سنين، وهم أولاد أبي طالب كان طالب أسن من عقيل بعشر سنين، وعقيل أسن من جعفر بعشر سنين، وجعفر أسن من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بعشر سنين.
ثلاثة إخوة ولدوا في سنة واحدة وقتلوا في يوم واحد وسن كل واحد منهم اثنان وأربعون سنة، وهم مزيد، وزياد، ومدرك أولاد المهلب بن أبي صفرة؛ وهذه من غرائب النوادر.
رجل مكث عشر سنين لا يولد له إلا رجل ولا يموت له إلا أنثى، وهو المهلب بن أبي صفرة في غير أولاده الثلاثة المذكورين.
أربعة رجال في الإسلام لم يمت كل منهم حتى رأى من ولده وولد ولده أكثر من مائة فيما قاله الثعالبي وغيره، وهم أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخليفة بن براء السعدي، وعبد الرحمن بن عمر الليثي، وجعفر بن سليمان الهاشمي، ومنهم من يذكر بدله أبا بكرة مولى النبي صلى الله عليه وسلم.
خمسة إخوة تباعدت قبورهم أشد تباعد، وهم بنو العباس بن عبد المطلب: قبر عبد الله بالطائف، وقبر عبيد الله بالمدينة، وقبر معد بإفريقية، وقبر الفضل بالشام، وقبر قثم بسمرقند.
قاض قضى في الإسلام خمساً وسبعين سنة وهو شريح بن الحارث الكندي استقضاه عمر على الكوفة فبقي بها خلافة عمر وما بعدها إلى تمام المدة المذكورة لم يتعطل منها سوى ثلاث سنين امتنع فيها من القضاء في فتنة ابن الزبير.
أوصاف جماعة من المشاهير من كان من الخلفاء أصلع، قال الثعالبي: كان الصلع في عمر، وعثمان، وعلي، ومروان بن الحكم، وعمر بن عبد العزيز؛ قال ثم انقطع الصلع من الخلفاء.
من كان في غاية الطول، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه كأنه راكب والناس يمشون لطوله، وكان عدي بن حاتم إذا ركب تكاد رجلاه تخط في الأرض، وكذلك جرير بن عبد الله البجلي، وكان قس بن ساعدة في نهاية الطول والجسامة، وكان عبد الله بن عباس في غاية من الطول، وكان أبوه عبد الله أطول منه، وجده العباس أطول من أبيه؛ ويقال إن جبلة بن الأيهم الغساني كان طوله اثني عشر شبراً.
من كان في غاية القصر، قال الثعالبي: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه شديد القصر بكاد الجلوس يوازونه من قصره، وكان إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قصيراً دحداحاً، وكان الحطيئة الشاعر مفرط القصر، ولذلك لقب بالحطيئة، وكان ذو الرمة الشاعر قصيراً جداً؛ ورأيت في بعض التواريخ أن كثير عزة كان طوله ثلاثة أشبار؛ وكان العباس بن الحسن في غاية من القصر وفيه قيل:
لا تنظرن إلى العباس من قصر ** وانظر إلى الفضل والمجد الذي شادا

إن النجوم نجوم الجو أصغرها ** في العين أبعدها في الجو إصعادا

من عرف بالدهاء من العرب، معاوية بن أبي سفيان، وزياد بن أبيه، عمرو بن العاص، المغيرة بن شعبة، قيس بن سعد بن عبادة، عبد الله بن بديل الخزاعي.
من نسب منهم إلى الحمق، عامر بن كريز، معاوية بن مروان بن الحكم، بكار بن عبد الملك بن مروان، العاص بن هشام، عبد الله بن معاوية بن أبي سفيان، سهل بن عمرو وأخوه سهيل، العاص بن سعيد بن العاص.
المؤلفة قلوبهم في أول الإسلام، قال الثعالبي: هم من قريش أبو سفيان بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وهبار بن الأسود، والحارث بن هشام، وحكيم بن جزام، وصفوان بن أمية، وأنس بن عدي، ومن فزارة عيينة بن حصن. ومن تميم الأقرع بن حابس. ومن بني سليم العباس بن مرداس. ومن ثقيف العلاء بن الحارث.
من أصيبت عينه، أبو سفيان بن حرب، ذهبت عينه يوم الطائف ثم عمي بعد ذلك. الأشعث بن قيس، ذهبت عينه يوم اليرموك، المغيرة بن شعبة كذلك الأشتر النخعي، جرير بن عبد الله البجلي، عدي بن حاتم، عتبة بن أبي سفيان، المختار بن أبي عبيد، الأحنف بن قيس، المهلب بن أبي صفرة، طاهر بن الحسن، عمرو بن الليث الصفار.
من سملت عيناه من الخلفاء الملوك، أما من الخلفاء فالقاهر، والمتقي، والمكتفي؛ وأما من الملوك فهرمز بن أنوشروان أحد الملوك الأكاسرة، صمصام الدولة بن بويه، منصور بن نوح بن منصور الساماني.
من كان مكفوف البصر من أشراف الناس، زهرة بن كلاب بن كعب؛ عبد المطلب بن هشام؛ العباس بن عبد المطلب؛ الحكم بن العاص، أبو سفيان بن حرب؛ الحارث بن العباس بن عبد المطلب؛ مطعم ابن عدي بن نوفل بن تعبد مناف؛ أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة؛ عتبة بن مسعود الهذلي، عبد الله بن عبيد الله بن عتبة؛ أبو أحمد بن جحش بن مسعود الأسدي؛ جابر بن عبد الله الأنصاري؛ عبد الله ابن أرقم، البراء بن عازب؛ حسان بن ثابت؛ أبو أسيد الساعدي؛ قتادة بن دعامة؛ دريد بن الصمة الجمشي، عزمة بن نوفل الزهري؛ الفاكه بن المغيرة المخزومي؛ جذيمة بن حازم النهشلي؛ أبو العباس الشاعر؛ علي بن زيد بن جدعان؛ المغيرة بن مقسم الضبي؛ الترمذي الكبير الحافظ الفقيه؛ منصور الشاعر المصري؛ ابن سيدة اللغوي؛ أبو العلاء المعري؛ بشار بن برد؛ أبو البقاء العكبري؛ أبو العيناء هشام بن معاوية الضرير النحوي الكوفي؛ أبو القاسم السهيلي صاحب الروض الأنف؛ أبو القاسم الشاطبي؛ الصرصري الشاعر؛ أبو الحسن علي بن عبد الغني الحصري؛ أبو عبد الله بن خلصة المغربي النحوي؛ أبو عبد الله بن الخياط.
أصحاب العاهات من الملوك من ملوك اليونان الإسكندر، كان أحنف. ومن ملوك الفرس أنو شروان كان أعور، يزدجر كان أعرج. ومن ملوك العرب جذيمة الوضاح، كان أبرص، النعمان بن المنذر، كان أحمر العينين والشعر. ومن الخلفاء عبد الملك بن مروان أبخر، يزيد بن عبد الملك أفقم، هشام بن عبد الملك أحول، مروان الحمار أشقر أزرق، موسى الهادي شفته العليا متقلصة، حتى كان أبوه المهدي قد رتب له خادماً يلازمه متى غفل وفتح فاه قال: موسى أطبق، إبراهيم بن المهدي كان أسود سميناً يلقب بالتنين.
ومن أشرف قريش وغيرهم أبو طالب أعرج، وأبو جهل أحول، أبو لهب كذلك، وكذلك زياد، وعدي بن زيد. الأحنف بن قيس، أحنف متراكب الأسنان، صعل الرأس، مائل الذقن. والربيع بن زياد أبرص، وكذلك الحارث بن حلزة. وأيمن بن خريم، والحسن بن قحطبة، وكان عبيدة السلماني أصم، وكذلك سيرين والكميت الشاعر، والمرقش الأكبر الشاعر أجدع.
أصحاب النوادر ابن أبي عتيق، أشعب الطمع، أبو الغصن جحا، أبو العبر، أبو العنبس، ابن الجصاص مزيد المدني.
أجواد الإسلام:
عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب، عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية، عبد الله بن عامر بن كريز، حمزة بن عبد الله بن الزبير بن العوام، عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي، خالد بن عبد الله بن خالد بن أسد بن العاص. قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، عتاب بن أبي ورقاء الحنظلي، أسماء بن خارجة بن حصن بن بدر الفزاري، عبد الله بن أبي بكرة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الطلحات المعروفون بالجود طلحة الفياض، وهو طلحة بن عبيد الله أحد العشرة؛ وطلحة الجود، وهو طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي؛ وطلحة الدارهم، وهو طلحة ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق؛ وطلحة الخير، وهو طلحة ابن الحسن بن علي بن أبي طالب؛ وطلحة الندى، وهو طلحة بن عبد الله بن عوف الزهري؛ وطلحة الطلحات، وهو طلحة بن عبد الله بن خلف الخزعي.
أزواد الركب ثلاثة من قريش وهم: مسافر بن أبي عمرو بن أمية، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن عبد العزى بن قصي، والمغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم: سموا بذلك لأنهم لم يتزود معهم أحد في سفر قط لجودهم.
من اشتهر عند أهل الأثر بلقبه غسيل الملائكة، وهو حنظلة بن أبي عامر الأنصاري أصيب يوم أحد فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الملائكة غسلته. قتيل الجن، هو سعد بن عبادة، بال في جحر فقتله الجن. مصافح الملائكة، هو عمران بن حصين. حمي الدبر، هو عاصم بن ثابت بن أبي الأفلح، حمته النحل إلى أن كان الليل. ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت الأنصاري، شهد لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقضاء دين اليهودي حين أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه وفاه، اعتماداً على خبر النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل صلى الله عليه وسلم شهادته بشهادتين. ذو العين، هو قتادة بن النعمان، أصيب عينه يوم أحد فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذو اليدين هو عبيد بن عبد عمرو الخزاعي كان يعمل بيديه معاً. ذو العمامة، هو أبو أحيحة سعيد بن العاص بن أمية، كان إذا لبس عمامته لم يلبس قرشي عمامته حتى ينزعها. ذو الثدية، كان إحدى يديه مخدجة كالثدي، كان رأس الخوارج. ذو الثفنات، كان يقال ذلك لعلي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، ولعلي بن عبد الله بن عباس، لما علا أعضاء السجدات منهما من شبه ثفنات العبير. ذو السيفين، هو أبو الهيثم بن التيهان، سمي بذلك لتقلده في الحرب بسيفين. سيف الله، هو خالد بن الوليد. أسد الله، هو حمزة بن عبد المطلب. ذات النطاقين، هي أسماء بنت أبي بكر، سميت بذلك لأنها شقت نطاقها للسفرة في الليلة التي هاجر النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبوها إلى المدينة. عروة الصعاليك، هو عروة بن الورد، كان إذا شكا إليه أحد أعطاه فرساً ورمحاً وقال له: إن لم تستغن بذلك فلا أغناك الله. سليك المقانب، هو سليك بن سلكة، كان أعدى الناس حتى إن الفرس لا يدركه. طفيل الأعراس، رجل من غطفان، وقيل هو من موالي عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان يتتبع الأعراس فيأتيها من غير دعوة وإليه تنسب الطفيلية. أشج بني أمية هو عمر بن عبد العزيز. جبار بني العباس هو هارون الرشيد: لأنه أغزى ابنه القاسم الروم فقتل منهم خمسين ألفاً، وأخذ منهم خمسة آلاف دابة بالسروج واللجم الفضة، وأغزى علي بن عيسى بن ماهان بن بلاد الترك فقتل منهم أربعين ألفاً، وغزا هو بنفسه بلاد الروم ففتح هرقلة، وأخذ الجزية من ملك الروم. بنات طارق، هن بنات العلاء بن طارق بن أمية بن عبد شمس، سمين بجدهن، يضرب بهن المثل في الحسن والشرف. بنات الحارث، هن بنات الحارث بن هشام، يضرب بهن المثل في الحسن وغلو المهر.
من كان فرداً في زمانه بحيث يضرب به المثل في أمثاله:
كان الإسكندر في طوفان الأرض، وكسرى أنوشروان في العدل، وزرقاء اليمامة في حدة النظر، وحاتم الطائي في الكرم، وكعب بن مامة في الإيثار، وأرسطاطاليس في الحكمة، وبقراط في الطب، وقس بن ساعدة في الفصاحة، وسحبان وائل في البلاغة، وعمرو بن الأهتم في البيان، وباقل في العي، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه في معرفة الأنساب، وعمر بن الخطاب رضي الله عنه في قوة الهيبة، وعثمان بن عفان رضي الله عنه في التلاوة، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في القضاء، ومعاوية في كثرة الاحتمال، وأبو عبيدة بن الجراح في الأمانة، وأبو ذر، في صدق اللهجة، وأبي بن كعب في القرآن، وزيد بن ثابت في الفرائض، وابن عباس في تفسير القرآن، وعمرو بن العاص في الدهاء، وأبو موسى الأشعري في سلامة الباطن، والحسن البصري في الوعظ والتذكير، ووهب ابن منبه في القصص، وابن سيرين في تعبير الرؤيا، ونافع في القراءة، وأبو حنيفة في القياس في الفقه، وابن إسحاق في المغازي، ومقاتل في التأويل، والكلبي في قصص القرآن، وابن الكلبي الصغير في النسب، وأبو الحسن المدائني في الأخبار، ومحمد بن جرير الطبري في علوم الأثر، والخليل بن أحمد في العروض، وفضيل بن عياض في العبادة، ومالك بن أنس في العلم، والشافعي في فقه الحديث، وأبو عبيدة في الغريب، وعلي بن المديني في علل الحديث، ويحيى بن معين في رجال الحديث، وأحمد بن حنبل في السنة، والبخاري في نقد الصحيح، والجنيد في التصوف، ومحمد بن نصر المروزي في الاختلاف، وأبو علي الجبائي في الاعتزال، وأبو الحسن الأشعري في علم الكلام، وأبو القاسم الطبراني في عوالي الحديث، وعبد الرزاق في ارتحال الناس إليه، وابن منده في سعة الرحلة، وأبو بكر الخطيب في سرعة القراءة، وابن حزم في مذهب الظاهر، وسيبويه في النحو، وأبو الحسن البكري السيري في الكذب، وإياس بن معاوية في الذكاء والتفرس، وعبد الحميد في الكتابة والوفاء، وأبو مسلم الخراساني في علو الهمة والحزم، وإسحاق الموصلي النديم في الغناء، وأبو الفرج الأصفهاني صاحب الأغاني في المحاضرة، وأبو معشر في النجوم، والرازي في الطب، وعمار بن حمزة في التيه، والفضل بن يحيى في الجود، وجعفر بن يحيى في التوقيع، وابن زيدون في سعة العبارة، وابن القرية في البلاغة، والجاحظ في الأدب والبيان، والحريري في المقامات، والبديع الهمذاني في الحفظ، وأبو نواس في المجون والخلاعة، وابن حجاج الشاعر في سخف الألفاظ، والمتنبي في الحكم والأمثال شعراً، والزمخشري في تعاطي العربية، والنسفي في الجدل، وجرير الشاعر في الهجاء الخبيث، وحماد الراوية في شعر العرب، والأحنف بن قيس في الحلم، والمأمون في حب العفو، والوليد في شرب الخمر، وعطاء السلمي في الخوف من الله تعالى، وابن البواب في الكتابة، والقاضي الفاضل في الترسل، والعماد الكاتب في الجناس، وأشعب في الطمع، وأبو نصر الفارابي في معرفة كلام القدماء ونقله وتفسيره، وحنين بن إسحاق في ترجمة اليوناني إلى العربي، وابن سيناء في الفلسفة وعلوم الأوائل، والإمام فخر الدين الرازي في الاطلاع على العلوم؛ والجاحظ في سعة العبارة، والسيف الآمدي في التحقيق، والنصير الطوسي في معرفة المجسطي، وابن الهيثم في الرياضيات، ونجم الدين الكاتبي في المنطق، وابن الأعرابي في الاطلاع على اللغة، وأبو العيناء في الأجوبة المسكتة، ومزيد في البخل، والقاضي أحمد بن أبي دواد في المروءة وحسن التقاضي؛ وابن المعتز في التشبيه، وابن الرومي في التطير، والصولي في الشطرنج، والغزالي في الجمع بين المعقول والمنقول، وأبو الوليد بن رشد في تلخيص كتب الأقدمين الفلسفية والطبية، ومحيي الدين بن عربي في علوم التصوف، وجابر بن حيان في علم الكيمياء.
غرائب اتفاق:
اتفاقية جليلة، ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، وبعث يوم الاثنين، وهاجر يوم الاثنين، وتوفي يوم الاثنين.
اتفاقية أخرى: قتل عبد الله بن زياد الحسين بن علي عليهما السلام يوم عاشوراء، وقتله الله على يد إبراهيم بن الأشتر في يوم عاشوراء.
أخرى: قال عبد الملك بن عمير الليثي: رأيت في قصر الإمارة بالكوفة رأس الحسين بن علي بين يدي عبد الله بن زياد على ترس، ثم رأيت فيه رأس عبد الله بن زياد بين يدي المختار بن أبي عبيد، ثم رأيت فيه رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت فيه رأس مصعب بين يدي عبد الملك بن مروان. قال: فحدثت بهذا عبد الملك بن مروان فتطير منه ففارق مكانه.
أخرى: قال الصولي: حدثني الحسين بن يحيى الكاتب أنه لما ولي المعتز لم تمض مدة لطيفة حتى أحضر الناس وأخرج المؤيد وقيل اشهدوا أنه دعي فأجاب، وليس به أثر؛ ثم مضت مدة شهر فأحضر الناس وأخرج المستعين وقال: إن منيته أتت عليه، وها هو لا أثر به فاشهدوا؛ ثم خلع المعتز، واستخلف المهتدي؛ ولم يمض إلا مديدة حتى أخرج المعتز ميتاً وقال: اشهدوا، أنه قد مات حتف أنفه ولا أثر به؛ ثم لم تكمل السنة حتى استخلف المعتمد فأخرج المهتدي ميتاً وقال: اشهدوا أنه قد مات حتف أنفه من جراحته، فتعجب الناس من تلاحقهم في مدة يسيرة.
عبرة: مات المكتفي بالله عن مائة ألف ألف دينار، ولما غسل لم توجد مجمرة يبخر فيها إلا مجمرة من خزف أحمر، وكان فيما خلف ألوف من مجامر الذهب والفضة. قال أحمد بن أبي دواد: لقد شددت لحيي المأمون، والمعتصم، والواثق، بعد موتهم، فلم أجد خرقة أشد بها لحيي واحد منهم إلا ما أخرقه من الدراريع التي تكون علي.
لطيفة: في سنة ثلاث وثمانين ومائتين أمر المعتضد برد فاضل سهام المواريث على ذوي الأرحام، وأبطل ديوان الموايث، وكتب بذلك إلى الآفاق.
لطيفة: في سنة أربع وثمانين ومائتين أخبر المنجمون بغرق أكثر الأقاليم بسبب كثرة الأمطار وزيادة الأنهار فتحفظ الناس من ذلك فقلت الأمطار حتى استسقوا ببغداد مرات.
غريبة: ذكر ابن سينا في المقالة الأولى من كتاب الشفاء أنه نزل بجرجان صاعقة من الهواء فنشبت في الأرض، ثم نبت نبوة الكرة وسمع الناس لذلك صوتاً عظيماً هائلاً فحفروا عليها فإذا هي قطعة من حديد تقدير مائة وخمسين مناً، وهي أجزاء جاورشية صغار مستديرة، التصق بعضها ببعض، فكتب محمود بن سبكتكين، صاحب خراسان بإنفاذه إليه أو قطعة منه فتعذر نقله لثقله فحأولوا كسر قطعة منه فلم تعمل فيه الآلات، فعولج كسره فقطع منه قطعة لطيفة، وحملت إليه فرام أن يطبع منها سيف فتعذر عليه.
لطيفة أخرى: في سنة إحدى عشرة وخمسمائة جاء سيل عظيم فغرق مدينة سنجار من بلاد الجزيرة، وهدم المنازل، وأغرق خلقاً كثيراً. ومن غريب ما حكي أن السيل حمل مهداً فيه صبي صغير، فتعلق المهد بشجرة زيتون، وغاض الماء، وبقي المهد معلقاً بالشجرة فسلم الصغير.
أعجوبة: في سنة ستين وأربعمائة كان بمصر وفلسطين زلزلة عظيمة، طلع فيها الماء من رؤوس الآبار، وزال البحر عن الساحل مسيرة يوم، فنزل الناس إلى أرض البحر يلتقطون ما انكشف البحر عنه مما في أرضه فرجع الماء عليهم فأهلك منهم خلقاً كثيراً.
ثم في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة وقع ببلاد الشام زلزلة عظيمة خربت شيزر، وحماه، وحمص، وحصن الأكراد، وطرابلس وأنطاكية، وغيرها من البلاد التي حولها، ووقعت الأسواق والقلاع حتى تداركها نور الدين الشهيد رحمه الله بالعمارة.
فائدة: في سنة اثنتين وخمسمائة قلع المقتفي الخليفة باب الكعبة، وعمل عوضه باباً مصفحاً بالفضة المذهبة، وعمل لنفسه من الباب الأول تأبوتاً ليدفن فيه.
نادرة: في سنة خمس وستين وسبعمائة وقع ثلج عظيم بالشام فكسر الأشجار وقطع الطرق لا سيما بعكبراء وما حولها.
أخرى: في سنة سبعين وسبعمائة ظهر بالشام جراد عظيم لم يسمع بمثله، وامتد من مكة إلى الشام، وعظم بحوران حتى أكل الأشجار، والأخشاب، وأبواب الدور، وما وصل إليه من الأصبغة والقماش، وسدت أعين الماء خوفاً من أن يفسدها، وكان من شأنه بعجلون أنه امتلأت منه المدينة وغلقت الأسواق، وطبقت أبواب الدكاكين والطاقات، وسدت الأبواب وحضروا لصلاة الجمعة فملأ عليهم الجامع، وترامى على الخطيب على المنبر حتى شغله عن الخطبة، وكذلك حير الناس حتى خرجوا من الجامع يخبون في خباً إلى الركب، وأنتنت لكثرة ما قتل منه حتى صار أهل البلد يمشون القطران ليغطي رائحته {وما يعلم جنود ربك إلا هو}.
أخرى: في سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة رأى أهل الشام في السماء بعد مغيب الشفق حمرة عظيمة من جهة الشمال، ثم اشتدت الحمرة حتى صارت كالنار الموقدة وانتشرت في السماء حتى كاد يغطي ثلثها، وعم بلاد الشام حتى كان بدمشق، وبعلبك وحلب، وقاقون، والرملة، والقدس، وطرابلس، حتى خاف جميع أهل هذه البلاد على أنفسهم الهلاك، وضرعوا إلى الله تعالى، وابتهلوا إليه، فكشف الله عنهم بعد نصف الليل.
قلت: وقد رأيت مثل هذه الآية العظيمة بمصر في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة: وهو أنه ظهرت حمرة عظيمة من جهة الغرب فوق حمرة النار، وجاء من وراء تلك الحمرة برق ساطع. فصار كلما لمع البرق داخل تلك الحمرة يخال الناظر أنها نار لا محالة حتى داخلني منه أنه عذاب قد صب على الناس، ثم انقشع بعد العشاء بقليل فلذلك لم ينتبه له أهل مصر. وبالجملة فوقائع الدهر وعجائبه أكثر من أن تحصر، ولا يحتمل هذا الموضع أكثر من هذا القدر.
والليالي كما علمت حبالى ** مقربات يلدن كل عجيب